وبالفعل أخذت القيصرة البرقية ووضعتها على الأمير فحدثت المعجزة وتوقف النزيف! .. وأدت هذه الحادثة إلى ترسيخ وجود راسبوتين في القصر. وبعد أن ضمن حماية القيصرة التي لم تعد ترى احد سواه ولا تسمع لأحد غيره بدأ راسبوتين بانتهاك كل قواعد العفة والشرف ، كان ذوو شخصية مزدوجة ، فبعدما كان يصلى بحرارة لشفاء الأمير كان يذهب مباشرا إلى دار البغاء ، وكان يتفاخر بقدراته الجنسية بنفس القدر الذي كان يتفاخر فيه بقدراته الروحية . كان كنجم الغناء الذي عرف الشهرة بين ليلة وضحاها فأصبح لا يعرف ماذا يفعل بماله وشهرته . كان يجول منازل الارستقراطيين ويستمتع بإهانة من هم أعلى منه مكانة ، وكان يصل به الأمر ليتحدث إلى السيدات ويتصرف معهن بأسلوب مهين وقذر .. والعجيب أن كل السيدات كن يتقبلن كل شيء منه ويفعلن كل ما يطلبه منهن فلقد شكل بلا ريب مصدرا للافتتان والإعجاب ولم تسلم أي امرأة من تصرفاته .
راسبوتين قسم وقته بين شقق الأثرياء وبين عمله الأسبوعي في القصر ، وبعد مدة قصيرة صار مقيم في جناح القيصرة الخاص بعد أن أقنعت القيصر بان هذا الراهب هو الذي يقدر أن يحمي الجميع ، وكان " راسبوتين " يقوم بدور مستشارها الخاص والمؤتمن على أسرارها ، ومن الواضح أنها كانت ترتاح لوجوده كثيرا ، واهم الأسباب في ذلك يعود لتأثيره المهدئ في أبنها الأمير ، لكن بتقرب راسبوتين أكثر فأكثر من القيصرة كان من الطبيعي أن يزداد عدد الحاقدين والمتآمرين عليه ، فقد سلبهم الرجل منزلتهم ، لكن لم يستطع احد إظهار موقف معادي لراسبوتين لان كل من فعل ذالك كان يسرح من عمله فورا .
اصبح الجميع يتملقون راسبوتين ..
لقد امتلأت مقاعد الحكومة بصائدي الثروة وغير الأكفاء ومعظمهم كانوا على استعداد لدفع مبالغ مالية كبيرة لراسبوتين للبقاء في مناصبهم ، فتأثير راسبوتين في البلاط القيصري كان يزداد يوما بعد آخر وصار بإمكانه فعل أي شيء كتعيين أسقف وعزل آخر ، حتى انه عين رؤساء وزارة وعزلهم فيما بعد .
الأمل الأخير لوقف هذا الفساد كان معلقا على وجود وزارة مخلصة ، وكان رئيس الوزراء " بيترستالين " قد جمع بالفعل أدلة كثيرة ضد راسبوتين ، كان يريد أن يثبت للقيصر وزوجته أن هذا الرجل سيء السمعة ومتلاعب ، فجمع ملف ضخم بفضائح راسبوتين ، واثبت الملف أن راسبوتين شرير وانه قادر على جعل القيصر وزوجته دمى يحركها كيفما يشاء . وكان الناس يعتقدون بوجود علاقة جنسية بين راسبوتين والقيصرة .
وبعد أن رأى القيصر المعلومات عرضها على زوجته التي ادعت أنها مجرد أكاذيب وان راسبوتين مضطهد حاله حال القديسين .. ولم تمضى فترة حتى اغتيل رئيس الوزراء " بيترستالين " بإطلاق النار عليه في دار الأوبرا بينما كان يحضر عرضا مع القيصر وزوجته ، وبإزاحة ألد أعدائه عاد " راسبوتين " بقوة إلى الواجهة وعاقب جميع الوزراء فعمت الفوضى وعدم الاستقرار في قلب الحكومة المترهلة . وامتلأت صحف بطرسبورج بقصص ضحايا الاغتصاب وصور كاريكاتيرية هابطة وفاضحة كان راسبوتين محورها طبعا ، ففي احد البطاقات البريدية تظهر صورة لراسبوتين وهو يقف خلف القيصرة ويده فوق صدرها ، ويده هنا تدل على الاستبداد وان راسبوتين هو الذي يمسك بكل قدرات الدولة الروسية من خلال سيطرته على القيصرة .
وفى هذا الوضع السيئ دخلت الدولة الروسية الحرب مع الوحش الألماني فامتلأت الصحف سريعا بأسماء الجنود القتلى .. وارتكب القيصر خطأ فادح عندما غادر العاصمة وانضم إلى الجبهة لقيادة الجيش وترك القيصرة " الكيساندرا " لتراقب أداء الوزراء لكنها لم تقم بالمهمة وحدها بل ساعدها " راسبوتين " حيث صار مستشارا لها ، ومنذ هذه المرحلة اتسع نفوذه وازدادت صلاحياته وامتد تأثيره إلى خط الجبهة وبنتائج مدمرة .
الجيش الروسي كان بحالة يرثى لها ..
كان القيصر " نيقولاس" قائدا عاما للجيش منذ عام 1915 ، وكان مضطرا للأخذ برأي قادته ، وكان هؤلاء يدركون التأثير السيئ لراسبوتين ، ففي رسالة تلو الأخرى كانت القيصرة تلح على زوجها بتنفيذ كل ما يطلبه مستشارها ، كانت تحذره بأن عدم فعل ذلك سيؤدي إلى هلاك روسيا وعندها سوف يفقد سلطانه ولن يجلس ابنه على العرش . وبرغم محاولات القيصر تجاهل رسائلها وطلباتها إلا أنه خضع لها بالنهاية واستبدل وزير الحربية برجل محب للمال وغير كفء
هو فلاديمير سوكامنوف ، وهكذا وقع راسبوتين وثيقة موت ملايين الجنود الروس .. كانت كارثة حقيقية .. فقد كان هناك جنود في الجبهة بلا بنادق وبلا رصاص ، وكانوا يرتدون ملابس صيفية والشتاء على الأبواب فتجمدوا حتى الموت
. قتلى بالجملة ..
في الحقيقة كانت روسيا تحارب بعقلية وأسلحة القرون الوسطى ، بينما كان عدوها متسلحا بأحدث تكنولوجيا القرن العشرين ، وكان الجنود الروس يذبحون ذبحا في ارض المعركة .. كانت الخنادق مليئة بمراهقين غير متمرسين بالقتال ، وكان الجنرالات يفرون بسرعة لينجوا بحياتهم تاركين جنودهم ليلاقوا مصيرهم الأسود ، وأخذت الحرب تسير نحو الأسوأ يوما بعد آخر . وفي جميع مدن روسيا كانت طوابير التوابيت القادمة من الجبهة لا تتوقف ، وأخذ الشعب يتذمر من الوضع العام . كانت رسائل الجنود من الجبهة تشير إلى أن الهزيمة لم تكن فقط بسبب عجز الحكومة ولكن بسبب وجود خيانة داخلها ، وراجت إشاعات عن وجود جماعات موالية للألمان تعطيهم أسرار التحركات والمناورات العسكرية الروسية ، وبالطبع كانت القيصرة الألمانية الأصل ومستشارها راسبوتين هما على رأس قائمة المتهمين .
وبالرغم من محاولة مسئولي القصر طمس تلك الاتهامات ، لكن راسبوتين أبقى جذوة النار مشتعلة ، ففي حادثة شهيرة جدا في مطعم " ايار" اخذ راسبوتين بعض بنات الهوى وبد يثمل ويشير ويلمح انه قادر على جعل القيصرة تتصرف كيفما يشاء ، وقيل أنه في إحدى المرات ركض إلى الشرفة عاريا وصاح أمام الجميع انه هو من يحكم روسيا .. وبالطبع لم تكن صحة تلك الإشاعات مهمة بقدر قابليتها على الانتشار بسرعة بين الناس الذين كانوا يصدقون كل ما يقال عن القيصرة وراسبوتين .
تعليقات
إرسال تعليق